مما قيل في خلقه وحسن معاملته
عندما يتحدث المتحدث عن تلك الخصال الحميدة التي وهبنا الله نبيه ، يبقى الحكم الفاصل في كل ذلك لأولئك الذين عايشوه ، وتشرفوا بصحبته ، والذين شملتهم حسن معاملته ، وطيبة نفسه ، ورأفته ورحمته ولذلك وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ونقلوا وقائع حياته ، وغالبية مواقفه اليومية ، التي كانت ملئية بصفات الكمال النبوي ، ولأجل ذلك كان لزماً لمن تكلم عن معاملته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينقل ما قاله أصحابه وأهله عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووقع ذلك كله في نفسه .
ومن العجيب أن كرمه وطيبته ، وحسن تعامله نال البعيد ، فكيف بالمقربين من أهل بيته ، وأصحابه ، ولندع الحديث لهم لينقلوا شيئاً من سمات الحسن النبوي ، الذي أزهر قرناً من أعظم القرون ، وقوامه الحب والألفة التي وضع أساسها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وليكن الكلام حب رسول اله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي نقلت الكثير عن حياته ، وحسن تعامله ، فعنها رضي الله عنها ـ قالت : ( ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيده شيئاً قط ، لا عبداً ولا ا مرأة ولا خادماً ،إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا نيل منه شيئ فينتقم من صاحبه إلا أن يًنتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل )
وقالت : ( ما خير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا أخذا ايسرهما مالم يكن إثماً ) .
وقالت : ( كان خلقه القرآن يرض لرضاه ، ويسخط لسخطه ) .
وفي شجاعته وإقدامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يروي أنس بن مالك ليلة في المدينة ، فيقول : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس ، وكان أود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل ا لمدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله راجعً ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف ، وهو يقول : لم تراعوا لم تراعوا ، قال : وجدناه بحراً أو أنها البحر ) .
وفي شجاعته تحدث على بن أبي طالب قال : ( لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسوله الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان أشد الناس باساً ، وفي عزوة هوازن لما فر هوازن لما فر جمهور أصحابه يومئذ ثبت وهو راكب بغلته ، وهو بنوه اسمه الشريف يقول : أنا النبي لا كذب ، انا ابن عبد المطلب وهو مع ذلك يركضها إلى نحو الأعداء .
أما في حسن المعاملة ، فقد قال أنس بن مالك الذي خدم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " خدمته في السفر والحضر ، والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا كذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذه هكذا ؟ ، وعنه ايضاً قوله : خدمت رسول الله تسمع سنين فما أعلمته قال لي قط : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب علي شيئا قط . وعنه أيضاً : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني ويوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أهذب لما أمرني به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك فقال : يا أنيس ذهبت حيث أمرتك ؟ فقلت ك نعم أنا أهذب يا رسول الله .
وعنه أيضاً : فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلا مني ، وإن لا مني أحد من أهله إلا قال : ( دعوه فلو قدر ـ أو , قال قضى ـ أن يكون كان ) .
وأما في جانب الزهد في الدنيا وما فهيا ، فقد أوردت عائشة الكثير من الكلام في ذلك ، حيث إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فتح الله له الفتح ، وسيقت له الدنيا بحذافيرها إلا أنه رفضها ، وأبى أن يأخذ منها ، ولذلك مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونه عند يهودي في نفقة عياله ، وقد قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تتحدث عن بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما شبع عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام تباعاً من خبز حتى مضى لسبيله ، وما ترك عليه الصلة والسلام ديناراً ولا درهماً ، ولا شاة ولا يعبراً ، ولا مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍ لي ، وقد قال لي : إني عرض علي أن تجعل لي بط حاء مكة ذهباً فقلت : لا يارب أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فأما اليوم الذي أجوع فيه فاتضرع إليك وأدعوك ، وأما اليوم الذي أشبع فيه فاحمدك وأثني عليك ، ثم قالت : إن كنا آل محمد لنمكث شهراً ما نستوقد ناراً ، إن هو إلا التمر والماء .
وختاماً : فما كان للسان أن تتكلم بما تقول إلاجراء ما رأت وشاهدت ، ولقد كانت حياة الحبيب المصطفى كلها لذة لا تنتهي ، فطاب العيش فيها ، واب الحديث عنها ، ورأى اصحابه وأهله فيه حديثاً شقياً لا يفترون من ذكره ، والكلام عنه ، فترنمت بذكره الشفاه ، وطاب به الحديث .
فعليه صلاة وسلام ما ذكرته الألسن ، وغردت به الشفاه .