8- عرض عتبة الزائف للرسول عليه السلام
* عن جابر بن عبد الله ، قال : أجتمع قريش يوما فقالوا : أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه .
فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا أنت يا أبا الوليد ..
فأته عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك ، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب ،حتى لقد طار فيهم أن في قرش ساحراً ، وأن في قريش كاهنا ، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل ! إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا ، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرغت ؟ " قال : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } [ فصلت : 1،2 ] إلى أن بلغ { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت" 13]
فقال عتبة : حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ قال : لا فرجع إلى قريش فقالوا : ما وراءك ؟ قال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته .
قالوا : فهل أجابك ؟ فقال : نعم . ثم قال : لا والذي نصبها بنية ما فهمت شييئا مما قال ، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .
قالوا : ويلك ! يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال ؟
قال : لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة .
وقد رواه البيهقي .
وزاد : وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت .
وعنده أنه لما قال : (( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود))
أمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه , ولم يخرج إلى أهله وأحتبس عنهم .
فقال أبوجهل : والله يا معشر قريش ما نرى عتبه إلا صبا إلىمحمد وأعجبه طعامه ، وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، أنطلقوا بنا إليه فأتوه .
فقال أبوجهل : والله يا عتبه ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره ،فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد .
فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبداً . وقال : لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ، ولكني أتيته ،وقص عليهم القصة ، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة ، قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل من الرحمن الرحيم " حتى بلغ " فإن أعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " [ فصلت " 13] فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف ، وقد علمتم ن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب ، فخفت أن ينزل عليكم العذاب .
درجة الحديث عند أهل العلم :
صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وقال الألباني : سنده حسن إن شاء الله .
غريب القصة :
ـ الكهانة : الكاهن : الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ، ويدعى معرفة الأسرار ، وقد كان في العرب كهنة ، كشق ، وسطيح ، وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إلى الاخبار ، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف ، كالذي بدعي معرفة الشيء المسروق ، ومكان الضالة ونحوهما .
والعرب تسمي كل من يتعاطى علما دقيقا : كاهنا ، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب كاهنا ( النهاية 4/215,214) .
ـ سخلة : السخلة الذكر والانثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد ، والجمع سخل ، وسخال ، وسخلان ( المعجم الوسيط 1 / 422 ) .
ـ أشام : الشؤم ضد اليمين يقال تشاءمت بالشيء وتيمنت به ( النهاية 2/511) .
ـ الباءة : بالمد الموضع الذي تبوء إليه الأبل ثمجعل عبارة عن المنزل ثم كنى به عن الجماع لأنه لايكون غالبا إلا في الباءة ، أو لأن الرجل يتبوأ من أهله ، أي يتمكن كما يتبوأ من داره ( التوقيف على مهمات التعاريف 109) .
ـ بَنَّية : أي الكعبة .
الفوائد والعبر :
1- عند المحاورة علىالداعية أن يترك الطرف الآخر يتكلم ويفهم ما يريد ولا يقاطعه ، وبعد أن يفرغ يجيبه .
2- الدنيا لا قيمة لها بعين الداعية .
3- أثر الرفقة السيئة على الآخرين .
4- شهادة الكفار بصدق النبي صلى الله عليه وسلم .
5- الاغراءات والشهوات والمناصب والنساء لاتثني الداعية عن هدفه الحق .
6- لين الجانب في الدعوة واستماله قلب الخصم أمر مطلوب .
7- روعة القرآن الكريم التي تأخذ بالقلوب ، وخطره على المكذبين ، قال القاضي عياض في الشفا ( 1/274) : " وعن عتبه بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليهم ( حم ) فصلت إلى قوله ( صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فأمسك عتبه بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف ، وفي رواية فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى انتهى إلىالسجدة فسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقام عتبه لا يدري بم يراجعه ورجع إلىأهله ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم وقال : والله لقد كلمني بكلام والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له , وقد حكى عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة وهيبة كف بها عن ذلك " أ . هـ .